!سألتُ الحياة ماذا تريدين من الإنسان
بقلم الأب جورج كيروز



قبل أن تجيبني، توقّفت لبرهة، فأصابَ لهذا التوقف المفاجئ اختلالٌ في الوجود: بهتَ لونَ الزهر، وبدأ بالذّبولِ قبلَ الأوان. ثم غمر القمر ظلامٌ دامس، وكأنه يغظّ في سبات عميق لم يسبق له مثيل. أما الشمس فبعدَ أن كانت مصدرا للنور الذي يبعث في الكون والكائنات الدفء والنشاط، تلحفت هي الأخرى برداءٍ داكن، كأنها في حداد. ماذا بعد؟ لقد اكتنف الشجر يباس يلامسُ الجفاف الدهري الساري على أديم الصحاري.
وبسبب التوقف اللحظي للحياة، تابع الجمودُ مسيرة اجتياحِه حتى غمر الكائنات الحية، فكادت أن تكون غيرَ موجودة.
ولكن ما لفت نظري أنه خلال ما شهدتُ من الأعراض التي نتجتْ عن توقف الحياة، أني لا زلتُ أتنفس وأتحرك. ثم أحسستُ وكأنه ينبض في كياني عالم لم أكنْ على علمٍ به من قبل، وكأن كلَّ شيء متوقفٌ على وجودي أنا! وأثناء انصرافي إلى التأمل بما يجري في عالمي الداخلي، قاطعني سؤال الحياة: هل تعلم لم حدثَ كل هذا؟ ثم أطلقتْ عليّ اسماً آخر غير اسمي كإنسان، قائلة لي: أنت رديفي، أنت مثيلي. فهل تعلم يا مثيلي لمَ حدث هذا، وبأن هناك ما هو أخطرُ من توقفي عن الوجود في الطبيعة وفي الإنسان؟
وبينما أنا أجيبُها شعرتُ بطائفةٍ من البرودة تنسابُ إلى باطني، وبشق النفس أجبتُها: لم أفهم حقيقة ما جري، إن هذه الأحداث جديدة علي. فما كان منها إلا أن صفعتني، وكأن استخفّت بجوابي ثم أردفت تقول: أتعلم أن ما هو أخطر بكثير من توقف الحياة؟
هو إعفاء قلبِك من أن يحب، ويديك من أن تعطيا وتصافحا، ورجليكَ من أن تُسارعا إلى حملِ رسالة السلام أينما تحلّ. هذه العناصر مُجتمعةً هي "أنت"، وأنت أتعلم من أنت؟ أنتَ مُستودعُ الحياة، فهكذا أرادك مَنْ سكبَ فيكَ ملءَ الحياة، لأنك صورتُه ومثلُه


No comments:

Post a Comment